فصل: تفسير الآيات (29- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (29- 32):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}

.شرح الكلمات:

{قضى موسى الأجل}: أتم المدة المتفق عليها وهي ثمان أو عشر سنوات.
{آنس}: أبصر.
{أوجذوة من النار}: عود غليظ في راسه نار.
{لعلكم تصطلون}: أي تَسْتَدْفِئون.
{نودي}: أي ناداه الله تعالى بقوله يا موسى إني أنا الله رب العالمين.
{في البقعة المباركة}: قطعة الأرض التي عليها الشجرة الكائنة بشاطئ الوادي.
{تهتز كأنها جانُّ}: تضطرب وتتحرك بسرعة كأنها حية من حيات البيوت.
{ولى مدبراً ولم يعقب}: رجع هارباً ولم يعقب لخوفه وفزعه منها.
{اسلك يدك في جيبك}: أدخلها في جيب قميصك.
{من غير سوء}: أي عيب كبرص ونحوه.
{واضمم إليك جناحك من الرهب}: اضمم إليك يدك بأن تضعها على صدرك ليذهب روعك.
{فذانك برهانان}: أي آيتان من ربك على صدق رسالتك.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في قصص موسى وهو في طريقه بتدبير الله تعالى إلى مصر، إنه لما قضى الأجل الذي تعاقد مع صهره شعيب وقد أتم خير الأجلين وأوفاهما وهو العشر حجج قف ماشياً بأهله زوجته وولده في طريقه إلى مصر لزيارة والدته وإخوته حدث أن ضل الطريق ليلاً، وكان الفصل شتاء والبرد شديد فإذا به يأنس {من جانب الطور} أي جبل الطور {ناراً} فقال لأهله امكثوا هنا {إني آنست} أي أبصرت {ناراً} سأذهب غليها {لعلي آتيكم منها بخبر} إذ قد أجد عندها من يدلنا على الطريق أو آتيكم بجذوة من النار أي خشبة في راسها نار مشتعلة {لعلكم تصطلون} أي من أجل اصطلائكم بها أي استدفائكم بها، هذا ما دلت عليه الآية (29) وقوله تعالى في الآية الثانية {فلما أتاها} أي أتى النار {نودي} أي ناداه منادٍ {من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى} أي ناداه ربه: {يا موسى إني أنا الله رب العالمين} {وأن ألق عصاك} فألقاها فاهتزت واضطربت وتحركت بسرعة {كأنها جان} أي حية عظيمة من الحيات المعروفة بالجنّان {ولى مدبراً ولم يعقب} أي فزع منها فرجع من الفزع إلى الوراء {ولم يعقب} أي ولم يرجع إليها من الرعب، فقال له ربه تعالى: {أقبل} أي على العصا {ولا تخف إنك من الآمنين} أي الذين آمنهم ربهم فلا يخافون شيئاً.
وقال له بعد أن رجع {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} أي أدخل يدك في جيب قميصك وهو الشق الذي يدخل معه الرأس في الثوب ليلبس وقوله: {تخرج} أي اليد {بيضاء} كالنور {من غير سوء} أي برص أو نحوه {واضمم إليك جناحك} أي يدك مع العضد غلى صدرك {من الرهب} أي الخوف فإن يذهب عنك بحيث تعود يدك عادية لا نور فيها كما كانت من قبل إدخالها في جيبك أولاً.
ثم قال تعالى له {فذانك} أي العصا واليد البيضاء.
{برهانان من ربك} أي آيتان تدلان على رسالتك المرسل بها إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين خارجين عن طاعة الله حيث كفروا به وعبدوا غيره وظلموا عباده، لتدعوهم إلى الإيمان بالله وعبادته وإرسال بني إسرائيل معك لتذهب بهم إلى أرض المعاد أي فلسطين وما حولها من ارض الشام.

.من هداية الآيات:

1- الأنبياء أوفياء فموسى قضى أوفى الأجلين وأتمهما وهو العشر.
2- مشروعية السفر بالأهل وقد يحصل للمرء أنه يضل الطريق أو يحتاج إلى شيء ويصبر.
3- فضل تلك البقعة التي كلم الله تعالى موسى عليه السلام وهي من جبل الطور.
4- مشروعية حمل العصا لاسيما للمسافر وراعي ماشية أو سائقها.
5- مشروعية التدريب على السلام قبل استعماله.
6- لا يلام على الخوف الطبيعي.
7- آية العصا واليد.
8- من خاف، وضع يده على صدره زال خوفه إن شاء الله تعالى.
9- التنديد بالفسق وأهله.

.تفسير الآيات (33- 37):

{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)}

.شرح الكلمات:

{إني قتلت منهم نفساً}: أي نفس القبطي الذي قتله خطأ قبل هجرته من مصر.
{أفصح مني لساناً}: أي أبين مني قولاً.
{ردءاً}: أي معيناً لي.
{سنشد عضدك بأخيك}: أي ندعمك به ونقويك بأخيك هارون.
{ونجعل لكما سلطاناً}: أي حجة قوية يكون لكما بها الغَلَبُ.
{فلا يصلون إليكم}: أي بسوء.
{بآياتنا}: أي اذهبا بآياتنا.
{فلما جاءهم موسى بآياتنا}: أي العصا واليد وغيرهما من الآيات التسع.
{بينات}: أي واضحات.
{سحر مفترى}: أي مختلق مكذوب.
{عاقبة الدار}: أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة.
{إنه لا يفلح الظالمون}: أي المشركون الكافرون.

.معنى الآيات:

لما كلف الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون وحمله رسالته إليه قال موسى كالمشترط لنفسه {رب إني قتلت منهم نفساً} يريد نفس القبطي الذي قتله خطأ أيام كان شاباً بمصر {فأخاف أن يقتلون} أي يقتلوني به إن لم أبين لهم وأفهمهم حجتي {وأخي هارون هو أفصح مني لساناً} أي أبين مني قولاً وأكثر إفهاماً لفرعون وملئه {فأرسله معي ردءاً} أي عوناً {يصدقني} أي يلخص قولي ويحرره لهم فيكون ذلك تصديقاً منه لي، لا مجرد أني إذا قلت قال صدق موسى. وقوله: {إني أخاف أن يكذبون} فيما جئتهم به. فأجابه الرب تعالى قائلاً {سنشد عضدك بأخيك} أي نقويك به ونعينك {ونجعل لكما سلطاناً} أي برهاناً وحجة قوية يكون لكما الغلب بذلك. وقوله: {فلا يصلون إليكما} أي بسوء أبداً وقوله: {بآياتنا} أي اذهبا بآياتنا أو يكون لفظ بآياتنا متصلاً بسلطاناً أي سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً بآياتنا {أنتم ومن اتبعكما الغالبون} وعلى هذا فلا نحتاج إلى تقدير فاذهبا وقوله تعالى: {فلما جاءهم موسى بآياتنا} العصا واليد وغيرهما {ببينات} أي واضحات {قالوا ما هذا} أي الذي جاء به موسى من الآيات {إلا سحر مفترى} أي مكذوب مختلق {وما سمعنا بهذا} أي الذي جئت به يا موسى في {آبائنا الأولين} أي في أيامهم وعلى عهدهم. وهنا رد موسى على فرعون بأحسن رد وهو ما أخبر تعالى به عنه بقوله: {وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} أي من عند الرب تعالى {ومن تكون له عاقبة الدار} أي العاقبة المحمودة يوم القيامة، ولم يقل له اسكت يا ضال يا كافر إنك من أهل النار بل تلطف معه غاية اللطف امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله: {وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} وقوله: {إنه لا يفلح الظالمون} أي الكافرون والمشركون بربهم هذا من جملة قول موسى لفرعون الذي تلطف فيه وألانه غاية اللين.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن القصاص كان معروفاً معمولاً به عند أقدم الأمم، وجاءت الحضارة الغربية فأنكرته فتجرأ الناس على سفك الدماء وإزهاق الأرواح بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية ولذلك صح أن تسمى الخسارة البشرية بدل الحضارة الغربية.
2- مشروعية طلب العون عند التكليف بما يشق ويصعب من المسؤولين المكلفين.
3- مشروعية التلطف في خطاب الجبابرة وإلانة القول لهم، بل هو مشروع مع كل من يدعى إلى الحق من أجل أن يتفهم القول ولا يُفِلقْ عليه بالإِغلاظ له.

.تفسير الآيات (38- 43):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)}

.شرح الكلمات:

{ما علمت لكم من إله غيري}: أي ربا يطاع ويذل له ويعظم غيري لعنة الله عليه ما أكذبه.
{يا هامان}: أحد وزراء فرعون، لعله وزير الصناعة أو العمل والعمال.
{فأوقد لي يا هامان على الطين}: أي اطبخ لي الآجُرْ وهو اللبن المشوي.
{فاجعل لي صرحاً}: أي بناء عالياً، قصراً أو غيره.
{لعلي أطلع إلى إله موسى}: أي أقف عليه وأنظر إليه.
{وإني لأظنه من الكاذبين}: أي موسى في ادعائه أن له إلهاً غيري.
{فنبذناهم في اليم}: أي طرحناهم في البحر غرقى هالكين.
{وجعلناهم أئمة}: أي رؤساء يُقتدى بهم في الباطل.
{يدعون إلى النار}: أي إلى الكفر والشرك والمعاصي الموجبة للنار.
{في هذه الدنيا لعنة}: أي خزياً وبعداً عن الخير.
{هم من المقبوحين}: أي المبعدين من كل خير المشوَّهي الخلقة.
{القرون الأولى}: قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم.
{بصائر للناس}: أي فيه من النور ما يهدي كما تهدي البصار.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {وقال فرعون} إن فرعون لما سمع كلام موسى عليه السلام المصدق بكلام هارون عليه السلام وكان الكلام في غاية اللبن، مؤثراً خاف فرعون من الهزيمة، ناور وراوغ فقال في الحاضرين {ما علمت لكم من إله غيري} أي كما ادعى موسى ولكن سأبحث وأتعرف على الحقيقة إن كان هناك إله آخر غيري، فنادى وزيره هامان وأمره أن يعد اللبن المشوي لأنه قوي ويقوم ببناء صرح عال يصل إلى عنان السماء ليبحث بنفسه عن إله موسى إن كان حسب دعواه وإني لأظن موسى كاذباً في دعوى وجود إله له ولكم غيري هذا معنى قوله تعالى في الآية الأولى (38): {وقال فرعون يا أيها الملأ ما لعمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين}. يعنى في ادعائه أن هناك إلهاً آخر غيري.
قوله تعالى: {واستكبر هو وجنوده في الأرض} أي أرض مصر {بغير الحق} الذي يحق لهم الاستكبار {وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} أي كذبوا بالبعث الآخر. قال تعالى: {فأخذناه وجنوده} أي بسبب استكبارهم وكفرهم وتكذيبهم بآيات الله {فنبذناهم في اليم} أي في البحر وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} إنها كانت وبالاً عليم وخساراً لهم. وقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} أي جعلنا فرعون وملأه أئمة في الكفر تقتدي بهم العتاة والطغاة في كل زمان ومكان {يدعون إلى النار} بالكفر والشرك والمعاصي وهي موجبات النار. {ويوم القيامة لا ينصرون} بل يضاعف لهم العذاب ويخذلون ويهانون لأن من دعا غلى سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء.
وقوله تعالى: {وأتبعناهم} أي آل فرعون {في هذه الدنيا لعنة} إنتهت بهم إلى الغرق الكامل والخسران التام، {ويوم القيامة هم من المقبوحين} أي المبعدين من رحمة الله الثاوين في جهنم ولبئس مثوى المتكبرين وقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} أي التوراة وذلك بعد إهلاك الظالمين وقوله: {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} أي قوم نوح وقوم هو وقوم صالح وقوم إبراهيم وقوله: {بصائر} أي الكتاب بما يحمل من الهدى والنور {بصائر} أي ضياء للناس من بني إسرائيل يبصرون على ضوءه كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم {وهدى ورحمة} أي وبياناً لهم ورحمة لمن يعمل به منهم.
وقوله: {لعلهم يتذكرون} أي وجود الكتاب بصائر وهدى ورحمة بين أيديهم حال تدعوهم إلى أن يتذكرّوا دائماً نعم الله عليهم فيشكرونه بالإِيمان به وبرسله وبطاعته وطاعة رسله عليهم السلام.

.من هداية الآيات:

1- بيان أن فرعون كان على علم بأنه عبد مربوب لله وأن الله هو رب العالمين.
2- تقرير صفة العلو والاستكبار لفرعون وأنه كان من العالمين.
3- بيان كيف تكون عاقبة الظلمة دماراً وفساداً.
4- دعاة الدعارة والخنا والضلالة والشرك أئمة أهل النار يدعون غليها وهم لا يشعرون.
5- بيان إفضال الله تعالى على بني إسرائيل بإنزال التوراة فيهم كتاباً كله بصائر وهدى ورحمة.

.تفسير الآيات (44- 47):

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)}

.شرح الكلمات:

{وما كنت بجانب الغربي}: أي لم تكن يا رسولنا حاضراً بالجانب الغربي من موسى.
{إذ قضينا إلى موسى الأمر}: أي بالرسالة إلى فرعون وقومه.
{وما كنت من الشاهدين}: حتى تعلمه وتخبر به.
{ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر}: أي غير أننا أنشأنا بعد موسى أمماً طالت أعمارهم فسنوا العهود واندرست العلوم وانقطع الوحي فجئنا بك رسولاً وأوحينا إليك خبر موسى وغيره.
{وما كنت في أهل مدين}: أي ولم تكن يا رسولنا مقيماً في أهل مدين فتعرف قصتهم.
{وما كنت بجانب الطور إذ نادينا}: أي لم تكن بجانب الطور أي جبل الطور إذ نادينا موسى وأوحينا إليه ما أ حينا حتى تخبر بذلك.
{ما أتاهم من نذير من قبلك}: أي أهل مكة والعرب كافة.
{ولولا أن تصيبهم مصيبة...} إلخ: أي فيقولوا لولا أي هلا ارسلت إلينا رسولاً لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولاً.

.معنى الآيات:

بعد انتهاء قصص مسى مع فرعون وإنزال التوراة {بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون} وكان القصص كله شاهداً على نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاطب الله تعالى رسوله فقال: {وما كنت} أي حاضراً {بجانب الغربي} أي بالجبل الغربي من موسى {إذ قضينا إلى موسى الأمر} بإرساله رسولاً إلى فرعون وملئه {وما كنت من الشاهدين} أي الحاضرين إذاً فكيف علمت هذا وتتحدث به لولا أنك رسول حق؟!
وقوله: {ولكنا أنشأنا قروناً} أي أمماً بعد موسى {فتطاول عليهم العمر} أي طالت بهم الحياة وامتدت فنسوا العهود واندرست العلوم الشرعية وانقطع الوحي فجئنا بك رسولاً وأوحينا إليك خبر موسى وغيره وقوله: {وما كنت ثاوياً} أي مقيماً {في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا} فكيف عرفت حديثهم وعرفت إقامة موسى بينهم عشر سنين لولا انك رسول حق يوحى إليك نبأ الأولين وهو معنى قوله تعالى: {ولكنا كنا مرسلين} فأرسلناك رسولاً وأوحينا إليك أخبار الغابرين.
وقوله: {وما كنت بجانب الطور} أي جبل الطور {إذ نادينا} موسى وأمرناه بما أمرناه وأخبرناه بما أخبرنا به، فكيف عرفت ذلك وأخبرت به لولا أنك رسول حق يوحى غليك. قوله تعالى: {ولكن رحمة من ربك} أي أرسلناك رحمة من ربك للعالمين {لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك} وهم أهل مكة والعرب أجمعون {لعلهم يتذكرون} أي كيْ يتعظوا فيؤمنوا ويهتدوا فينجوا ويسعدوا.
وقوله تعالى: {ولولا أن تصيبهم مصيبة} أي عقوبة {بما قدمت أيديهم} أي من الشرك والمعاصي {فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً} أي هلا ارسلت إلينا رسولاً {فنتبع آياتك وتكون من المؤمنين} أي لولا قولهم هذا لعاجلناهم بالعذاب ولما أرسلناك إليهم رسولاً إذاً فما لهم لا يؤمنون ويشكرون؟؟!

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية بأقوى الأدلة العقلية.
2- بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في أوانها واشتداد الحاجة إليها.
3- البعثة المحمدية كانت عبارة عن رحمة إلهية رحم الله بها العالمين.
4- جواب {لولا} في قوله: {ولولا أن تصيبهم}. محذوف وقد ذكرناه وهو لعاجلناهم بالعقوبة ولما أرسلناك إليهم رسولاً.

.تفسير الآيات (48- 51):

{فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)}

.شرح الكلمات:

{فلما جاءهم الحق من عندنا}: أي محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً مبيناً.
{قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى}: أي هلا أعطي مثل ما أ‘طي موسى من الآيات المعجزات من العصا واليد أو كتاباً جملة واحدة كالتوراة.
{أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل}: أي كيف يطالبونك بأن تؤتي مثل ما أوتي موسى وقد كفروا بما أوتي موسى من قبل لما أخبرهم اليهود أنهم يجدون نعت محمد في التوراة كفروا بهذا الخبر ولم يقبلوه.
{وقالوا سحران تظاهرا}: أي التوراة والقرآن كلاهما سحر ظاهر بعضهما بعضاً أي قواه.
{فإن لم يستجيبوا لك} أي بالإِتنيان بالكتاب الذي هو أهدى من التوراة والقرآن.
{فاعلم أنما يتبعون أهواءهم}: في كفرهم ليس غيرن فلا عقل ولا كتاب منير.
{ومن أضل ممن اتبع هواه}: أي لا أضلُّ منه قط.
{ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون}: أي بأخبار الأولين وما أحللنا بهم من نقمتنا لما كذبوا رسلنا وأنكروا توحيدنا {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون.

.معنى الآيات:

لما قرر تعالى نبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأدلته التي لا أقوى منها ولا أوضح وبين حاجة العالم إليهما لاسيما العرب وذكر أنه لولا كراهة قولهم: {لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} لما ارسل إليهم رسوله. ذكر هنا ما واجه به المشركون تلك الرحمة المهداة فقال عنهم: {فلما جاءهم الحق من عندنا} أي محمد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} أي من الآيات كالعصا واليد البيضاء حتى نؤمن به ونصدق رسالته قال تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا}. وقالوا: {إنا بكل كافرون} وذلك أن قريشاً لما كثر المؤمنون وهالهم الموقف بعثوا إلى يهود المدينة يسألونهم بوصفهم أهل الكتاب الول عن مدى صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يقوله فأجابهم اليهود بأنهم يجدون نعوت النبي الأمي في التوراة وأنه رسول حق وليس بكذاب ولا دجال فما كان من المشركين من قريش إلا أن أعلنوا كفرهم بالتوراة وقالوا: التوراة والقرآن {سحران} تعاونا فلا تؤمن بهما ولا نصدق من جاء بهما وقرئ {ساحران} أي موسى ومحمد عليهما السلام فلا نؤمن بهما.
هذا معنى قوله تعالى: {أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون} أي بكل منهما كافرون.
فكيف لايخجلون اليوم ويطالبون محمداً أن يعطى مثل الذي أعطي موسى من الايات يا للعجب أي يذهب بعقول المشركين؟!!
وقوله تعلى: {قل فأتوا بكتاب من عند الله} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين الذين كفروا بالتوراة والقرآن {فأتوا بكتاب من الله} أنزله بعلمه يكون أكثر هداية من التوراة والقرآن..
أتبعه! {إن كنتم صادقين} في دعواكم بأن الفرقان والتوراة سحران تظاهرا.
وقوله تعالى: {فإن لم يستجيبوا لك} بالإِتيان بكتاب من عند الله تعالى هو أهدى من الفرقان والتوراة ومن أين لهم بذلك.. إنه المستحيل! إذاً فاعلم أنهم إنما يتعبون أهواءهم فيما يقولون ويدعون فلا عقل ولا نقل عندهم {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}؟! اللهم إنه لا أضل منه. والنتيجة أنه لا أضل من هؤلاء المشركين من قريش وقوله تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} هذا بيان لسنة الله تعالى في الظالمين الذين أكثروا من الظلم وتوغلوا فيه عقيدة بالشرك وعملاً بالمعاصي فإنه يحرمهم الهداية فلا يهتدون أبداً.
وقوله تعالى: {ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون} أي لقد وصلنا أي لهؤلاء المشركين من قومك يا سرولنا أي وصلنا لهم القول بأخبار الماضين، وما أحللنا بهم من بأسنا ونقمنا وعظيم عقوباتنا لما كفروا كما كفر هؤلاء وكذبوا بما كذَّب به هؤلاء وصلنا لهم القول ميناً واضحاً موصولاً أوله بآخره وجاء أن يتذكروا فيذكروا فيؤمنوا ويوحدوا فينجوا من العذاب ويرحموا بدخول الجنة.

.من هداية الآيات:

1- بيان تناقض المشركين وكل من يتبع الهوى ويترك الهدى الإِلهي.
2- بيان تحدي المشركين بالإِتيان بكتاب من عند الله وعجزهم عن ذلك فبان بذلك أنهم يتبعون أهواءهم وأنه لا أضل منهم اليوم.
3- بيان سنة الله في حرمان المتوغلين في الظلم من الهداية الإِلهية.
4- بيان أن الله عز وجل وصل القول لأهل مكة مفصلاً مبيناً لهدايتهم فله الحمد وله المنة وعلى الكافرين اللعنة في جهنم.